حديث اللجنة المالية النيابية داخل مجلس النواب، عن حاجة العراق إلى 10 سنوات من عدم التعيين لتعديل ميزان النفقات لاسيما أن
وزارات الدولة تعاني من ترهل وظيفي كبير يعرقل عمليات الإنتاج ويرهق خزينتها، مع وصول عدد الموظفين في القطاع العام إلى ما يقارب 5 ملايين موظف، في حين لا تحقق تلك المؤسسات عائدات مالية تكفي على أقل تقدير لتأمين رواتب العاملين فيها
وأكد عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر مؤخراً، حول حاجة العراق إلى 10 سنوات من عدم التعيين لتعديل ميزان النفقات. إذ قال كوجر في تصريح تابعته "انفوبلس"، إن "عدم وجود أي تعيينات جديدة في جداول موازنة 2024"، مشيراً إلى "حاجة العراق إلى 10 سنوات من عدم التعيين لتعديل ميزان النفقات".
وأضاف أن "جداول الدرجات الوظيفية لم تشهد أي تغيير"، مبيناً أن "هناك سياسة حكومية لخفض النفقات التشغيلية والتخفيف من الترهّل الحكومي، كون العراق يملك معدلاً عالياً من الموظفين حسب المقاييس العالمية".
وتابع أن "المعايير العالمية تؤكد الحاجة إلى رجل أمن وموظف خدمة عامة لكل ألف مواطن، بينما يتسلم 25% من الشعب العراقي رواتب من الحكومة”، مشيراً إلى أن "العراق يتساوى مع كندا في عدد النفوس، ومع ذلك فإنَّ عدد موظفيها يعادلون ربع موظفي العراق".
وأجّلت الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الماضيين، النظر إلى مشكلات التنمية البشريَّة في القطاع الخاص، ولجأت إلى حركة توظيف في القطاع العام، لتصبح الوظيفة الحكومية “حلم الشاب وغايته”، لتتراكم هذه المشكلات وتتضافر حتى باتت عبئاً ثقيلاً على الموازنات المتتابعة مهما كانت انفجارية استثمارياً.
إلى ذلك، انتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، التهميش الحكومي لشريحة الخريجين، في ظل الموازنات فوق الانفجارية، وبذلك بعد تصريحات عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر.
ووفقا قانون الموازنات العامة الاتحادية للسنوات 2023، و2024، و2025، يبلغ عدد الموظفين في العراق أربعة ملايين و74 ألفا و697 موظفاً وموظفة، وحدد القانون نفسه عدد موظفي إقليم كردستان بـ658 ألفا و189 موظفاً وموظفة.
وتتجسد في بعض مؤسسات الدولة مشاهد درامية متكررة بسبب أعداد الموظفين الكثيرة، حيث إن بعض الموظفين لا يجدون مكانا يجلسون فيه، وآخرين يتناوبون على الجلوس، يضطر بعضهم إلى شراء المقاعد وجلبها للمؤسسة بعد تدوين أسمائهم عليها كي لا يشغلها سواهم.
ويعود إقبال المواطنين على الوظائف الحكومية، بحسب معنيين، لأسباب عديدة، منها تفشي البطالة وعدم وجود دعم حكومي للقطاع الخاص أو قانون ينظم عمله، إضافة إلى الراتب التقاعدي الذي تضمنه الحكومة للموظفين، والرواتب المجزية التي كان يتقاضاها الموظفون.
يشار إلى أن 9.5 ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة (موظفون ومتقاعدون وذوو الرعاية الاجتماعية)، وهو ما قد يشكل نسبة 23% من سكان العراق الذي تقدر وزارة التخطيط عدد سكانه بنحو 42 مليون نسمة.
كما ان اللجنة المالية النيابية كشفت مؤخراً ان إنتاجية الموظف لا تزيد على عشر دقائق في كل مؤسسات الدولة، داعية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى "حث وزرائه على وضع برنامج عن كيفية تحويل الوزارات من مستهلكة إلى منتجة، بحيث لا تصبح الموازنة مجرد مبالغ لمشاريع وزارية تشتري بها ممتلكات".
استعرض المختص في الشأن المالي والاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إمكانية إيقاف التعيينات في العراق لمدة عشر سنوات من اجل تعديل ميزان النفقات.
وقال حنتوش ان "الحكومات العراقية المتعاقبة لا تقوم بالتعيين لأنها بحاجة لهذه التعيينات، بل لأنه لا يريد أي عمل حقيقي في القطاع الخاص، ولهذا الحكومة تعين مئات الالاف بسبب عدم وجود فرص عمل للشباب في القطاع الخاص، وهذا الامر لم تجد له أي حلول حقيقية الجهات والشخصيات المسؤولة في الدولة".
وبين ان "إيقاف التعيينات لسنة واحدة في العراق امر مستحيل وليس لعشر سنوات، فالعراق لا يمتلك قطاع خاص، والقطاع الخاص عبارة عن فقاعة إعلامية في العراق، فالعراق فيه ما يقارب 45 مليون نسمة يحتاج الى الاف المدن الصناعية والاف المعامل حتى تكون هناك نهضة اقتصادية حقيقية لتفعيل القطاع الخاص بشكل حقيقي".
وأضاف ان "القطاع الخاص يُفعّل عبر وجود خطة تنظيمية من قبل الحكومة عبر منح جزء من التخصيصات المالية للبنى التحتية للقطاع الخاص عبر انشاء أسواق شعبية وعلوات وإعطاء قروض للمشاريع المختلفة، خاصة ان البنك المركزي العراقي أوقف القروض دون أي دراسة، وهذا دمر السوق العراقي، فهذه القروض متوقفة منذ ما يقارب سنتين ولا يوجد أي عمل حقيقي في القطاع الخاص ولا يوجد أي إضافة او تطور بهذا القطاع".
وأكد المختص في الشأن المالي والاقتصادي ان "القطاع الخاص يحتاج الى تفعيل والى موازنة تنظيمية سنوية ويحتاج الى مبادرات للقروض وقوانين، وبعد تفعيل هذا القطاع هنا يكون العراق فقط لا يحتاج الى التعيينات، وبخلاف ذلك العراق سيبقى يحتاج الى تعيينات ولا يمكن ايقافها لاي فترة قصيرة ولهذا سيبقى مستمرة خلال هذه الحكومة وخلال الحكومات العراقية المقبلة".
في المقابل، وفي تقرير نشرته مؤسسة "عراق المستقبل" المستقلة المعنية بالشؤون الاقتصادية مؤخرا، كشف عن أن العراق يُعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة.
ورغم أن العراق يعد الأعلى في أعداد الموظفين عالميا، فإن هناك الكثير من مؤسسات الدولة العراقية تعاني من شح بأعدادهم، وهو ما يشير إليه أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني في أن هناك ترهلا وشحا للموظفين في آن معا داخل مؤسسات الدولة، حيث تشكو وزارتا التربية والتعليم العالي من نقص الموظفين، إضافة إلى الترهل الوظيفي في مراكز المدن يقابله قلة الكوادر الوظيفية في القرى والأرياف، الأمر الذي يؤكد سوء التوزيع الوظيفي في وزارات الدولة.
وعانى العراق خلال معظم شهور العام 2020 من عدم قدرته على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين نتيجة انخفاض اسعار النفط عالميا والتي وصلت الى اقل من 15 دولار.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي، إياد العكيلي، أنه "خلال السنوات الماضية عملت الحكومات السابقة على تعيين ملايين الموظفين الجدد وفي مختلف المؤسسات الحكومية والقطاعات المختلفة، لأسباب عدة أغلبها سياسية ومن دون تخطيط مسبق أو معرفة الحاجة الفعلية والحقيقية لتلك المؤسسات حتى أصبحت تعج بآلاف الموظفين العاطلين عن العمل للأسف الشديد والذين كان من الممكن الاستفادة منهم بشكل أفضل في قطاعات مهمة أخرى كالقطاع الخاص الذي كان يجب تطويره والاهتمام به وشموله بالضمان الاجتماعي".
وبين أن "الترهل في مؤسسات الدولة أعقبه كنتيجة طبيعية ترهل في الموازنة العامة التي أصبحت تستنزف كالبقرة الحلوب من دون إنتاج فعلي وحقيقي".